كاظم الساهر

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

كل عام والجميع باالف خير تم افتتاح الموقع فى يوم 7/1/2010 مبروك للجميع


    راضــي صــدوق: ليلى من أفضل القصائد المغنّاة وأشدها إحساساً وأكثرها تعبيراً

    التحدى الكاظمى
    التحدى الكاظمى
    النشاط الحالى
    النشاط الحالى


    الموقع : كل منتديات كاظم الساهر
    العمر : 39
    تاريخ التسجيل : 10/03/2009

     راضــي صــدوق: ليلى من أفضل القصائد المغنّاة وأشدها إحساساً وأكثرها تعبيراً  Empty راضــي صــدوق: ليلى من أفضل القصائد المغنّاة وأشدها إحساساً وأكثرها تعبيراً

    مُساهمة من طرف التحدى الكاظمى الأحد أغسطس 15, 2010 12:41 am



    الرأي: راضي صدوق.. رائد التعبيرية في القصيدة العربية

    مجدي ممدوح - كانت التعبيرية من أهم التحولات التي أثّرت في نظرية الفن، فلقد بقيت نظرية الفن قروناً طويلة تعتمد في تذوق العمل الفني وفهمه على عنصرَي المحاكاة والتطهر, وهما مفهومان أبدعهما شيخ النقاد أرسطو لتقنين العمل الفني، وكان من الواضح أن عنصر التطهر يحيل هو الآخر إلى المحاكاة، وهكذا بقي العمل الفني بتمظهراته كافة من شعر ومسرح وتشكيل ورواية وقصة، يرتكز في تذوقه وفهمه على عنصر المحاكاة، ولكن المحاكاة لم تستطع أن تحقق نجاحاً في جميع الفنون، مما أدى إلى ظهور مذهب التعبيرية في ألمانيا كتطوير مهم في النظرية الفنية إزاء إخفاق مفهوم المحاكاة أو قصوره. وتعتمد التعبيرية على مبدأ أن كثافة التعبير هي العنصر الحاسم في تذوق أي عمل فني وتلقيه.

    يعتمد راضي صدوق على كثافة التعبير وصدق المشاعر والأحاسيس والانكشاف الكامل والانفتاح الصادق على أعمق أعماق الذات، ويمكن من خلال نصه الشعري معاينة التجربة الوجدانية والإنسانية وهي تتبلور وتختمر لكي تخرج على هيئة نص، ومع أن النص الشعري هو الناتج النهائي لهذه التجربة الوجدانية، إلا أننا لا نستطيع حصرها في حدود النص، هذا النص الذي لا يعدو كونه شيفرة للتواصل بين الشاعر والمتلقي.

    يسكن "صدوق" همّ أساسي أثناء التأسيس للنص الشعري، هو خلق حالة من التواصل مع المتلقي لا تنتهي بقراءة النص، بل تبدأ بعد قراءة النص، حيث يحدث هناك شيء يشبه العدوى تنتقل إلى المتلقي وتجعله يتقمص التجربة الوجدانية بكاملها. ومن الملاحظ أن الكثير من الشعراء ممن قرأوا نصوص صدوق قد أعادوا إنتاج هذه التجربة الوجدانية في قالب شعري جديد، مما يؤشر على هيمنة هذه التجربة عليهم على المستويين الواعي وغير الواعي. بعض هذه التجارب من الصعب وصفها بالنحل أو الانتحال، فأصحابها لم ينتحلوا بالمعنى التقليدي مفردات أو مقاطع أو صوراً بطريقة مباشرة وفجة, بل إن أغلبهم لم يفعل أكثر من تقمص الحالة الشعورية المتمثلة بالوجدان وما يرافقها من موسيقى أحياناً تطبع التجربة الجديدة بطابعها.

    يمكن هنا إيراد مثال على ذلك، وهو نص الرسالة الثالثة لراضي صدوق. فلقد احتوى هذا النص الشعري على شحنة عالية من الوجدانية.

    "لا تسأليني عن سرّ انفعالاتي
    قد ذَبُلت يا روح في أولى رسالاتي
    ولم أعد في فم الدنيا سوى شبحٍ
    يخبو مع الليل كالشهب المضيئات
    قد كنت في خاطري شدْواً وهيمنة
    صداك يملأ من دفْء الهوى ذاتي
    وكنت في أضلعي روحاً أعيش بها
    وهبتها سكرى كأسي ملذاتي
    لا تسألني كيف الدهر شرّدني
    وكيف ذابت مع الأنسام آهاتي".

    هذا النص يدفع المرء إلى تأمل نص كتبه الشاعر العراقي المرواني يحمل عنوان "أنا وليلى"،
    لحّنه وغناه كاظم الساهر، وكان من أفضل القصائد المغنّاة وأشدها إحساساً وأكثرها تعبيراً. يقول المرواني:

    "ماتت بمحراب عينيك ابتهالاتي
    واستسلمت لرياح اليأس راياتي
    جفت على بابك الموصود أزمنتي
    ليلى وما أثمرت شيئاً نداءاتي
    ممزق أنا لا جاه ولا ترف
    يغريك فيّ، فخلّيني لآهاتي".


    وبإجراء مقارنة بين النصين، يُلاحظ أن المرواني قد تقمص الحالة الوجدانية المبثوثة في نص صدوق وأعاد إنتاجها من جديد، ولكن بالطبع بقيت آثار الإيقاع والموسيقى واضحة في النص الجديد وهيمنت على فضاء النص، مع بقاء المعاني والحالة الوجدانية متشابهة، وهي الشكوى من الحبيب واليأس الكامل من متعة الوصل.
    المرواني لم ينتحل هنا المعاني والألفاظ والصور بشكل مباشر كما يحدث عادة في الانتحال التقليدي، بل إنه انتحل الحالة الشعورية مع كل ما يرافقها من أحاسيس وانفعالات حميمة. ونص صدوق مستلّ من مجموعته التي تحمل عنوان "كان لي قلب"، وهو عنوان جميل ينطوي على حالة وجدانية خاصة، وقد تعرّض هو الآخر إلى النحل والانتحال، إذ نراه متضمَّنا في الكثير من النصوص الشعرية سواءً على شكل عنوان أو على شكل مقاطع شعرية، وكأنه أصبح بمثابة الشيفرة التي تنفتح في حال انتقالها على فضاء كامل يحتوي على مشاعر وانفعالات تكاد تكون مشتركة لدى المبدعين كافة الذين يستخدمون هذا المقطع ويعيدون إنتاجه.

    النزوع إلى التعبيرية يدل على صدق الشاعر وعفويته وشجاعته ونقاء سريرته وشفافيته، باطنه يُرى كظاهرة، لا يخشى من الانكشاف الكامل أمام المتلقي، وغالباً ما يلجأ الشاعر إلى إبعاد المتلقي عن باطن التجربة الشعرية ويضع حاجزاً لغوياً وبلاغياً بينه وبين المتلقي، لأنه يعتقد أن المعاناة والمخاض الشعري من شؤون المبدع, وعادة ما يحجم المبدعون عن إعطاء أي فرصة للمتلقي للتلصص على هذه التجربة، وعدم السماح له بالدخول إلى مختبر الذات الإبداعي لمعاينة التجربة الشعرية وهي تحدث حارة طازجة، ولكن "صدوق" لا يتوانى أبداً ولا يخشى من إدخال المتلقي طرفاً في هذه التجربة، وهذا يجعل من تجربة التلقي تجربة شفافة لا تقل أهمية من حيث التأسيس للنص عن التجربة الإبداعية نفسها.

    امتلك صدوق أدوات شعرية منضجة صقلتها التجارب والثقافة، وبات على وعي كامل بالأشكال والأنماط الشعرية كافة، قديمها وحديثها، وذاكرته الشعرية ممتلئة بالمفردات الشعرية والقوافي والأوزان الشعرية، وأذنهُ مشبعة بالموسيقى الشعرية بأطيافها المختلفة، وهو يمتلك خيالاً خصباً تتنوع فيه الصور الشعرية بأشكالها المتنوعة من الكلاسيكية إلى الرومانسية والحداثية.

    وهو يستطيع بفعل هذه الأدوات المنضجة، أن يصنع شعراً عالي التقنية، ولكن نزوعه الصادق نحو التعبيرية جعله لا يلقي اهتماماً كبيراً إلى الشكل والصنعة، بل كان همه الأساسي ينصب على صدق التجربة الوجدانية وحرارة الانفعال، وهذا ما يلحظه المتلقي بكل وضوح في نتاجه الشعري.

    ورغم أن التعبيرية استطاعت أن تحقق نجاحاً في فهم بعض عناصر العمل الفني، إلا أن كثافة التعبير وصدق المشاعر والأحاسيس والشفافية وكل العناصر التي تتضمنها التعبيرية وتوليها اهتماماً، لا تكفي وحدها لإنتاج عمل فني منضج، فمن الممكن أن يتوافر العمل الفني على كل هذه الشروط، لكنه قد يفتقر إلى الاشتراطات والمعايير الموضوعية من حيث الشكل.

    هذا المطب ربما يقع فيه فنان أو شاعر مبتدئ لا يمتلك الأدوات الفنية المنضجة، ولكن صدوق ورغم نزوعه الواضح نحو التعبيرية، لم يغفل المعايير الأخرى، فالصور الشعرية مع عفويتها وصدقها، تنم عن خيال خصب وغنى وتنوع يخفي وراءه شاعرية نادرة ومتدفقة خالية من الصنعة والتكلف. وينحاز صدوق في تعامله مع اللغة إلى العفوية والصدق على حساب المحسّنات اللفظية والبلاغة المصنوعة، وربما تكون اللغة الشعرية هي الهوية التي تميز شاعر عن آخر، فالشاعر دائماً يكتسب هويته الشعرية من خلال الاستخدام المختلف للّغة.
    وقد نحتَ صدوق لنفسه لغة شعرية متفردة قادت بالتالي إلى امتلاكه مذهباً شعرياً مستقلاً له ملامحه المحددة والواضحة، ويمكن رصد هذه الملامح في بواكير إنتاجه الشعري في الخمسينيات وانتهاءً بأعماله المتأخرة، مما يجعله صدوق صاحب مشروع شعري له هوية خاصة وملامح محددة تضعه في مكانة متميزة بين الشعراء الرواد الذين أسهموا بإنتاجاتهم المتواصلة في بلورة شعرية عربية حديثة أفادت بشكل كبير من التطورات المهمة التي حدثت في شكل القصيدة في الغرب ومضمونها، خصوصاً قصيدة النثر.

    ومن الملاحظ أن صدوق كتب قصيدة التفعيلة في وقت مبكر، منذ بداية الخمسينيات، وقد تزامنَ نتاجه الشعري هذا مع ظهور نتاجات الرواد أمثال السياب والملائكة، ولا شك أن إسهامات صدوق المبكرة في قصيدتَي النثر والتفعيلة ساعدت على إعطاء الشكل النهائي الذي آلت إليه هذه القصيدة، بالإضافة إلى إسهامه التنظيري والنقدي في إرساء قواعد لهذا الشكل الشعري الناشئ.
    وقد أفاد الكثير من شعراء السبعينيات والثمانينيات من هذه التجربة الشعرية الفنية، ويمكن أن نرى تأثير الرائد راضي صدوق في نتاجات الشعراء، خصوصاً شعراء فلسطين, بل إن بعضهم يذكر صراحة تأثره وتتلمذه على شعر صدوق. وقد ظهر النزوع التعبيري عند صدوق بشكل جلي في القصيدة الوطنية، فقد كان أثر النكبة الفلسطينية واضحاً في نتاجه، حيث تقمص الشاعر الذات الجمعية الفلسطينية وتماهى معها، مما طبع شعره الوطني بالصدق والحساسية العالية، فنراه ممتلئاً ومشبعاً بالروح الفلسطينية التي تنتقل عدواها إلى المتلقي.

    فقارئ قصائد صدوق الوطنية لا يستطيع إلا أن يتقمص الروح الفلسطينية التي تمتلئ بها والمتأتية أصلاً من امتلاء الشاعر وتشبعه بهذه الروح، وهذه العدوى تنتقل للمتلقي فيجد نفسه مرغماً أن يصبح فلسطينياً في روحه ومشاعره حتى لو كان من ملّة أخرى، ولقد صرّح أحد الشعراء غير العرب لكاتب هذه السطور، أنّه عندما يقرأ نصوص صدوق الوطنية فإنّه لا يملك إلاّ أن يصبح فلسطينياً. يقول صدوق:

    "عذري إذا أنشدت شعري أنني
    أشدو بما يوحي الجهاد ويلهم
    عذري إذا أنشدت أني شاعر
    من جرحنا الدامي أصوغ وأنظم
    غنيت مأساتي وعشت مشرّداً
    رمزاً لشعب لم يزل يتألم
    تذروه سافية وتسعفه لظىً
    ويقيه لفح الزمهرير مخيم
    شاخت مواجعه وطال ضياعهُ
    والدرب مجهول النهاية مظلمُ
    يطوي الضلوع على الطوى مترفعاً
    أن يستباح من المروءة مَحرَمُ
    يرنو إلى الوطن الجريح وقلبه
    طير على الوطن الجريح محوّمُ
    وجَم القصيد فما عسى أتكّلم
    ودم الفداء هو القصيد الأعظم
    ليس الجهاد منابراً ومحافلاً
    إن الجهاد كتائب وتقحّم
    والحرب معركة الكريم، فكلما
    سكت اللسّان تواضعاً، نطق الدمُ".

    وقد استطاع صدوق توظيف التعبيرية في التعبير عن المعاناة الوجودية، والتي هي إنسانية النزوع تؤثر في الإنسان في كل زمان ومكان، بمعنى أنها لا تخص الإنسان بوصفه ينتمي إلى حضارة ما أو شعب محدد أو ثقافة معينة، بل إنها معاناة إنسانية عامة تمثل موقف الإنسان وحيرته إزاء الوجود واعتباطه وأسراره.
    ويمكن رصد هذه الملامح الوجودية مجتمعة في مجموعة "النار والطين"، ويتضح من العنوان هذه الثنائية المحيرة التي تحكم الإنسان وتمزقه شر ممزق، فهو مصنوع من نار وطين، والطين كمادة كثيفة تشد الإنسان إلى الأرض، والنار كمادة شفافة تشعل هذا الطين وتمنحه أجنحة يطير بها لتجعله كائناً سماوياً، ويبقى صراع النور والطين صراعاً أزلياً أبدياً هو الذي يمنح الإنسان هويته الوجودية بوصفه كائناً صنع من الممكن والمستحيل، من المطلق والمحدود، من الثابت والمتحول، من المادي واللامادي، ومن جديد يصبح هذا العنوان "النار والطين" شيفرة تفتح على عوالم الإنسان المحيرة وتناقضاته وانفتاحه اللامحدود على المجهول. يبث الشاعر حزنه وحيرته الوجودية بقوله:.

    "الشمس غروب أزلي من غير شروق
    والسحب هناك بلا مطر
    والأرض تراب وصخور وشقوق
    والدفء حريق
    العالم ذئب مغرور
    جسد معروق
    وجه لا لون له من غير شعور
    يبصق فيه العري الملعون ويهرب منه النور
    غامت جذوته الأسطورية في عينيه
    قد عاد الملعون تراباً أغبر
    طيناً دنساً كالجيف النتناء
    زنخاً كخطيئة حواء
    قد عاد الملعون هباء
    ظلاًّ ممدوداً في قعر الأرض تضيع بدايته
    ونهايته
    صمت أزلي في الأضواء".

    يستطيع المتلقي أن يرصد في هذا النص الشعري على قصره، الكثير من المعاني الوجودية وأهمها الخطيئة الأولى واعتباط العالم.

    المصدر


      الوقت/التاريخ الآن هو الأربعاء سبتمبر 25, 2024 1:33 am