ثقافة: هل نسمي أنفسنا شعراء؟
ياسين النصير
1 - قبل أن تقرأ المقال أرجو من الشاعر أن لا يحكم علي بأني ضد الشعر،فالمقال يحاكي حالة مربكة تمر بها الثقافة الفرنسية حسب تعبير جاك روبو حينما قال: “ أن الشعر هو هذا النوع الذي نجتهد لرؤيته هناك حيث لا يكون- في غروب الشمس وفي المناظرات وفي التشنجات الاستعراضية لفنان- والذي لا نراه حيث يتواجد بين الشاعر واللغة ،
أهميته الاقتصادية الضئيلة تضعه في الظل” ويابع روبو فقد يمر عام بكامله من دون متابعة ديوان شعر واحد.خاصة في الملاحق الأدبية المهمة..والسبب واضح جدا بالنسبة للسوق الفرنسية وكذلك بقية الأسواق ففي أوربا “لا يمكن بيع الشعر”والسوق التجارية هناك معيار حقيقي لشيوع اية ظاهرة، والأمر كما يبدو لا يخص الشعر وحده بل الأدب كله، قياسا لتجارة أي جزئية من الكومبيوتر أو شبكة الأنترنيت..فثمة لا مبالات يواصل روبو تجارية للشعر وخاصة المعاصرون منهم..
2
كيف الحال عندنا صديقي الشاعر؟إذهب إلى أية جامعة وبالتحديد قسمها الأدبي واسأل الطلبة هل يعرفون السياب، البياتي، نازك البريكان،شاذل طاقة، رشيد ياسين، حسين مردان، بلند الحيدري؟وإذا عرف بعضهم أسما وأسمين من هذا الجيل،فهل يعرفون شعراء الستينات وشعراء العقد السبعيني والثمانيني وإذا وصل الأمر للشعراء الحاليين المنتفضين من غبار المعارك والمفخخات هل يعرفون أحدا منهم؟أشك أن للشعر تجارة بين القراء إلا ما ندركما أشك أن للأدب تجارة أيضا..في الوقت الذي تكثر فيه قراءة الشعر وتعقد له ندوات ويطلب من الشعراء المشاركة في المهرجانات ولنا في شعراء المربد كم هائل بينهم شعراء متميزون وبينهم من لا يقترب من الشعر إلا قليلا.وللمقارنة لا نجد جمهور الشعر بالقوة والكثرة التي هي من جمهور أي مغن شعبي كاظم الساهر أو فؤاد سالم أو غيرهما. ففي فرنسا ابتدعت المقاهي نوعا من المناظرات الشعرية، أطلقت عليها”سلام”وهو اختراع مفاده أن كل إنسان هو شاعر لذا يمكن للجميع أن
يتبادلوا قول الشعر ويمكن للشعر أن “يمارس بحرية في المقاهي ومراكز الجمعيات بشكل لقاءات ومناظرات خطابية” تعني كلمة سلام salm باللغة العامية الأمريكية”صفعة” ..” التأثير” وقد أخذت من عبارة salam adoor التي تعني حرفيا “صفق الباب”وضمن إطار” الشعر الشفهي والعام يقول روبو ،يقضي الأمر بالتقاط المستمع من أذنيه و”صفعه”بالكلمات والصور لصدمه والتأثير به”هل نحن بحاجة إلى شعر شفهي من “سلام الفرنسي الذي يصر مطلق التسمية مارك سميث على هذا النوع من ممارسة الشعر من أنه ذو طابع “ديمقراطي” ويقول أن سلام أخذت من shelem أي المباراة الكبرى في رياضة كرة المضرب وكرة السلة والبريدج..الخ.عموما تخلق الأسواق في هذه المرحلة فنونها الارتجالية كجزء من حضورها الفاعل في حياة الناس والمدينة، ولا بأس أن يكون أي تحديث في أي جانب من جوانب المجتمع يفرض شكله الثقافي الجديد، علينا أن ندرك أن تجميد الشعر ضمن قوالب ثابتة يعني موتا له،الشعر جزء من حياة
متحركة، عندما كانت حماسة المعارك تفرض نوعا من القول كان الشعر ضمن إطارها وبقي كذلك قرونا، اليوم ما عادت أغراض الشعر نفسها ولا القول الشعري نفسه ومن يغلق نوافذ بيته عن الرياح الجديدة لن يستطيع تمييز وروائح صديقته من روائح الكلاب كما يقول أحدهم..فثمة بعد شفهي في القول الشعري لم نكتشفه نحن العرب وهذا البعد من القوة ما يجعل شعرنا مقروءا ومتداولا، شعراؤنا يديرون ظهرهم للشفوية في الشعر وللتلقائية التي عليه فن الإلقاء والأداء وللحركة الضاجة والمشاركة في الاحتفالات،
علينا ان ندرك- وقد عمد نقد الحداثة الشعرية عن جهل إبعاد العنصر الشفوي من الحداثة الشعرية- خاصة في حركتها الأولى،في حين أن الشفاهية لها من الحضور في أي قول شعري فهي
وحدها التي تطري الصورة وتعممها دون أن تفقد شعريتها.وحركات التجديد في العالم كله أولت الشفاهية عنايتها ودرست أبعادها واكتشفت مجاهل غنية بالقول الشعري فيها، في حين نحن نغفل هذه الحقول ونلجأ عوضا عنها إلى قوافي جرير وبحور الخليل.. فالشعر لا يقام في القافية والوزن بل يقيم في “لغة معينة”وأنه
يصنع من الكلمات إذا لا قيمة للشعر بدون كلمات، وان القصيدة الحديثة وضعت للورقة وللصوت، ولرؤية داخلية...
المصدر
ياسين النصير
1 - قبل أن تقرأ المقال أرجو من الشاعر أن لا يحكم علي بأني ضد الشعر،فالمقال يحاكي حالة مربكة تمر بها الثقافة الفرنسية حسب تعبير جاك روبو حينما قال: “ أن الشعر هو هذا النوع الذي نجتهد لرؤيته هناك حيث لا يكون- في غروب الشمس وفي المناظرات وفي التشنجات الاستعراضية لفنان- والذي لا نراه حيث يتواجد بين الشاعر واللغة ،
أهميته الاقتصادية الضئيلة تضعه في الظل” ويابع روبو فقد يمر عام بكامله من دون متابعة ديوان شعر واحد.خاصة في الملاحق الأدبية المهمة..والسبب واضح جدا بالنسبة للسوق الفرنسية وكذلك بقية الأسواق ففي أوربا “لا يمكن بيع الشعر”والسوق التجارية هناك معيار حقيقي لشيوع اية ظاهرة، والأمر كما يبدو لا يخص الشعر وحده بل الأدب كله، قياسا لتجارة أي جزئية من الكومبيوتر أو شبكة الأنترنيت..فثمة لا مبالات يواصل روبو تجارية للشعر وخاصة المعاصرون منهم..
2
كيف الحال عندنا صديقي الشاعر؟إذهب إلى أية جامعة وبالتحديد قسمها الأدبي واسأل الطلبة هل يعرفون السياب، البياتي، نازك البريكان،شاذل طاقة، رشيد ياسين، حسين مردان، بلند الحيدري؟وإذا عرف بعضهم أسما وأسمين من هذا الجيل،فهل يعرفون شعراء الستينات وشعراء العقد السبعيني والثمانيني وإذا وصل الأمر للشعراء الحاليين المنتفضين من غبار المعارك والمفخخات هل يعرفون أحدا منهم؟أشك أن للشعر تجارة بين القراء إلا ما ندركما أشك أن للأدب تجارة أيضا..في الوقت الذي تكثر فيه قراءة الشعر وتعقد له ندوات ويطلب من الشعراء المشاركة في المهرجانات ولنا في شعراء المربد كم هائل بينهم شعراء متميزون وبينهم من لا يقترب من الشعر إلا قليلا.وللمقارنة لا نجد جمهور الشعر بالقوة والكثرة التي هي من جمهور أي مغن شعبي كاظم الساهر أو فؤاد سالم أو غيرهما. ففي فرنسا ابتدعت المقاهي نوعا من المناظرات الشعرية، أطلقت عليها”سلام”وهو اختراع مفاده أن كل إنسان هو شاعر لذا يمكن للجميع أن
يتبادلوا قول الشعر ويمكن للشعر أن “يمارس بحرية في المقاهي ومراكز الجمعيات بشكل لقاءات ومناظرات خطابية” تعني كلمة سلام salm باللغة العامية الأمريكية”صفعة” ..” التأثير” وقد أخذت من عبارة salam adoor التي تعني حرفيا “صفق الباب”وضمن إطار” الشعر الشفهي والعام يقول روبو ،يقضي الأمر بالتقاط المستمع من أذنيه و”صفعه”بالكلمات والصور لصدمه والتأثير به”هل نحن بحاجة إلى شعر شفهي من “سلام الفرنسي الذي يصر مطلق التسمية مارك سميث على هذا النوع من ممارسة الشعر من أنه ذو طابع “ديمقراطي” ويقول أن سلام أخذت من shelem أي المباراة الكبرى في رياضة كرة المضرب وكرة السلة والبريدج..الخ.عموما تخلق الأسواق في هذه المرحلة فنونها الارتجالية كجزء من حضورها الفاعل في حياة الناس والمدينة، ولا بأس أن يكون أي تحديث في أي جانب من جوانب المجتمع يفرض شكله الثقافي الجديد، علينا أن ندرك أن تجميد الشعر ضمن قوالب ثابتة يعني موتا له،الشعر جزء من حياة
متحركة، عندما كانت حماسة المعارك تفرض نوعا من القول كان الشعر ضمن إطارها وبقي كذلك قرونا، اليوم ما عادت أغراض الشعر نفسها ولا القول الشعري نفسه ومن يغلق نوافذ بيته عن الرياح الجديدة لن يستطيع تمييز وروائح صديقته من روائح الكلاب كما يقول أحدهم..فثمة بعد شفهي في القول الشعري لم نكتشفه نحن العرب وهذا البعد من القوة ما يجعل شعرنا مقروءا ومتداولا، شعراؤنا يديرون ظهرهم للشفوية في الشعر وللتلقائية التي عليه فن الإلقاء والأداء وللحركة الضاجة والمشاركة في الاحتفالات،
علينا ان ندرك- وقد عمد نقد الحداثة الشعرية عن جهل إبعاد العنصر الشفوي من الحداثة الشعرية- خاصة في حركتها الأولى،في حين أن الشفاهية لها من الحضور في أي قول شعري فهي
وحدها التي تطري الصورة وتعممها دون أن تفقد شعريتها.وحركات التجديد في العالم كله أولت الشفاهية عنايتها ودرست أبعادها واكتشفت مجاهل غنية بالقول الشعري فيها، في حين نحن نغفل هذه الحقول ونلجأ عوضا عنها إلى قوافي جرير وبحور الخليل.. فالشعر لا يقام في القافية والوزن بل يقيم في “لغة معينة”وأنه
يصنع من الكلمات إذا لا قيمة للشعر بدون كلمات، وان القصيدة الحديثة وضعت للورقة وللصوت، ولرؤية داخلية...
المصدر